السبت، 1 أكتوبر 2011

بين دولة الفطرة ودولة الشيطان

محمد مسعد ياقوت

مجلة الوعي الإسلامي

الإنسان مستخلف في الأرض، وعلمه الله الأسماء كلها، لتحقيق العبودية الكاملة لله فوق كوكب الأرض، أرسل له الرسل يسوسونه بالكتاب الذي أنزله الله ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه. فكان الأنبياءُ ساسةَ البشر، وزعماء النهضة، وقادة الإصلاح.

المترفون- وأصحاب المصالح الخاصة- كانوا في كل مرة ضد منهج الأنبياء، وضد تمكين الحق، وضد أن يكون للإسلام دولة، فالمترفون لا يُقيمون حضارةً فحسب، بل هم عائقٌ في سبيل الحضارات، وقليلٌ منهم من ينهى عن الفساد في الأرض {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} (هود: 116). .jpg1_opt.jpeg

دومًا كانوا رافضين لسبيل الفطرة على طول الخط، وكانوا هم المتصدين لكل مصلحٍ ولكل مجدد {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} (سبأ: 34).

والمترفون هم أصحاب النفير الإعلامي في كثير من الأحيان بحكم نفوذهم، وهم أرباب التبعية والتقليد الأعمى لكل ضبٍ والجٍ في جحر {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} (الزخرف: 23).

وأمثال هؤلاء ينبغي الحذر منهم، وألا نثق في مقالهم وإن أظهروا الخوف على مصالح البلاد والعباد، فحالهم كحال فرعون حينما قال في موسى: {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ} (غافر: 26).

وفي جميع مراحل بناء الدولة، ستراهم يثبطون، ويبطئون، ويُعوقون.

هم أعداء النجاح، الذين يقلّون عند الفزع ويكثرون عند الغنيمة..

والمترفون دومًا هم أداةٌ من أدوات الشيطان لبناء دولته.. منهم مسلمون غافلون، وكثيرٌ منهم فاسقون.

يُؤخرون ويتأخرون، ويثبطون الناس، ويتأخرون عن ركب العمل لدين الله، ويتلكأون.. فإن دخلتم في معركة، وأصابتكم جراحات، وقُتل فيكم مَن قُتل، قال الواحد منهم- شامتًا متشفيا: قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ, إذ جلستُ في بيتي وادعًا، ولم أخرج للجهاد، ولم أكن معهم حاضرًا فأُصاب أو أُقتل!!

وفي أمثالهم قال الله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا} (النساء: 72).

كما حدث في يوم أحد، فرح المنافقون بما حدث للمؤمنين، وكما يحدث في كل معركة في أي زمان، فإذا كانت هزيمةٌ شمت المنافقون، وإذا كان نصر تسولوا على هذا النصر، وحاولوا سرقة جهود المؤمنين.

ومثل هذه الآيةِ قولُ الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} (الأحزاب: 18).

فكما أن إبليس يُعوق بني آدم عن الفطرة، ويصرفُ الإنسان عن المنهج، ويريد أن يتحاكم الناسُ إلى الطواغيت، ويضلهم بذلك ضلالًا بعيدًا، فإن أتباعه من شياطين الإنس والجن، يعملون لهذه الغاية في مكر الليل والنهار.

كان الشياطينُ- ولا يزالون- يعملون لهذه الغاية من أجل أن تنحرف البشريةُ عن دولة الفطرة.

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (الأنعام: 112).

فكانت المعركة بين قبيلين، بين منهج الله الذي قام به الأنبياء والرِبِّيُّون، ومنهج الشيطان الذي قام عليه أولياؤه من شياطين الجن والإنس.

قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 27).

فلا عجب حينما تسمع عن أناس من أهل النفوذ الآن، وقادة شركات عالمية، ورجال دولةٍ كبار يكشفون عن عبادتهم للشيطان، في طقوس معينة.

وهؤلاء سيُقرّعون يوم القيامة: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَلّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (يس: 60).

ومن الغريب حينما يأتي الحديث عن عبدة الشيطان، فإن الكلام يتجه نحو حفنة من الشباب المنحرف الذي لا يعلم هرًّا من بر.. لكنِ القضيةُ في حقيقتها تتعلق بتنظيم عالمي، يؤدي نفس الطقوس، فالممارسات التي يُعبد فيها الشيطان في مصر هي نفسها التي تتم في أميركا وأوروبا وسائر البلدان .

والقائمون على هذا التنظيم هم من قادة المجتمع سياسيًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا.

والحقيقة أن أتباع ديانة الشيطان إنما يتعبدون إليه من أجل تحقيق النفوذ، والنجاح السياسي والاقتصادي، والوصول من خلال الشيطان إلى طول العمر ومُلك لا يبلى، كما كان الشيطان يعدُ من قبلهم ويمنيهم.

ولابد من ممارسة الفحشاء في هذا الطقوس، من أجل أن يرضى الشيطان {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء} (البقرة: 268).

والشياطين تحرك الفاسدين وتدفعهم نحو الانحراف عن منهج الله، وتَؤُزُّهُمْ أَزًّا، وتهيجهم نحو الفساد في الأرض ونهب الثروات وهتك الأعراض.. هذه هي الحقيقة.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} (مريم: 83).

الشيطان يوحي إلى هؤلاء زخرف القول، وجميل التنظير، وفن التحليل.. لكنْ لتزيين الشر وتجميله.

عليهم تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ من أجل ألّا تقوم للحق دولةٌ في الأرض، وبحيث يظل هابيل وقابيل متقاتلين.

وبحيث يظل سفكُ الدماء والفسادُ في الأرض.

سفك الدماء والفساد اللذانس كانت تخشاهما الملائكة من خلق آدم، هما أهم نتائج حُكم الشيطان.

ولو ترى إذِ الشيطانُ جعل من العالم قابيل وهابيل!

مِن حرب بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، وحروب عالمية بين قوتين عظميين، وحربٍ بين الغرب والإسلام.

ومن يشكك في حقيقة خضوع المفسدين للشيطان، بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنا نرجوه أن يتأمل في وقفة صادقة مع النفس لقصة خلق آدم، وإنزالِ الله لآدم وحواءَ وإبليسَ الأرضَ، وقوله تعالى لهم: {وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} (البقرة: 36)، فهل يُتصور أن تكون العداوة بين الإنسان وإبليس توقفت يومًا، ذلك الشيطان الذي أقسم {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (الأعراف: 16)، وهل يكون الصراطُ مستقيمًا والدين قيمًا من دون الحُكم بما أنزل الله؟

وهل يُتصور أن تكون هذه العداوة من غير تخطيط، واقتصاد، وإعلام؟

وهل يُعقل أن تكون عداوة الشيطان من دون نشر الحرب على الفطرة، ومحاربة الفضيلة، والسخرية من الشريعة، وتيئيس الناس من دولة الإسلام؟

أم أن عداوة الشيطان- هو وقبيله- مقصورةٌ فقط حينما يأتي إليك في الصلاة، يُوسوس لك، يفسدها عليك؟

وقد علمتَ من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله ص قال: «إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً» (أخرجه مسلم)، وهل من فتنةٍ أعظمُ من تغييب شرع الله في الأرض؟

لقد كان الشيطانُ يفرق بين الإنسان وفطرته، والبشرية والكتاب، والمسلمين ودولتهم كما يفرق بين المرء وزوجه!

إن كان يئس من أن يُعبد في جزيرة العرب، فلا يزال عبّادُه في سائر البلدان، ويُحرشُ بين الموحدين، قال النبي ص: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» (أخرجه مسلم).

إن الشيطان الذي كان للرحمن عصيًّا وللأنبياء معاندًا، لم يكن ليهدأ حتى يقيم له في كل عصر دولة..

دولة تقع بين قرني شيطان!

لكنْ.. الله غالبٌ على أمره، ودولته غالبة، فهي نظام الفطرة، وخلافة الحق، و{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق